الرئيسية / بحوث ومقالات / الإستخبارات الغربية و”صناعة الخلفاء”

الإستخبارات الغربية و”صناعة الخلفاء”

الإستخبارات الغربية و"صناعة الخلفاء"

من الخطأ الاعتقاد أن الفتنة “السنية الشيعية” هي السلاح الوحيد بيد أجهزة الاستخبارات الغربية، لإنهاك الجسد الإسلامي واستنزاف قواه، لمصلحة الكيان الصهيوني العدو الأول والأخير للأمة الإسلامية، فهناك سلاح آخر لا يقل فتكاً وخطراً منه ألا وهو الفتنة “السنية السنية”، وهذا السلاح عادة ما يفعّل في دهاليز أجهزة الاستخبارات الغربية كلما افتقدت هذه الأجهزة للعنصر “الشيعي” للإبقاء على نيران الفتنة مشتعلة لتأكل أخضر ويابس المسلمين.

ويمكننا أن نتلمس حرارة نيران هذه الفتنة، الفتنة “السنية السنية”، من خلال الأحداث الدامية، التي كثيراً ما تشكل العنوان الأبرز لمشهد العلاقة بين المجموعات المسلحة التي تحمل العقيدة الوهابية والفكر السلفي التكفيري، بدء من القاعدة ومروراً بـ”داعش” و”النصرة” وانتهاء بالتنظيمات المسلحة الأخرى في آسيا وإفريقيا.
مهما حاولت الجهات التي تقف وراء هذه المجموعات تبرير الصراع الدامي بينها، إلا أن هذا التبرير لا يقنع المراقب نظراً لتماثل هذه المجموعات بكل شيء تقريباً حتى بالاسماء!، الأمر الذي يلقي ظلالاً ثقيلة من الشك والريبة حول هذه التبريرات، ويدفع المراقب للبحث عن الأسباب الحقيقية التي تجعل نيران الصراع مضطرمة بين رفاق العقيدة والأهداف والسلاح.
لم يعد خافياً الدور الذي لعبه المذهب الوهابي والدولار السعودي والاستخبارات الباكستانية (اي سي اي) والدعم الأميركي اللامحدود، في تأسيس القاعدة وطالبان أبان الغزو السوفيتي لأفغانستان، فهذه حقيقة اعترف بها جميع الأطراف وعلى رؤوس الأشهاد، عندما كان الجميع متحدون ضد عدو مشترك واحد وهو “الجيش الأحمر الملحد” الذي غزا أفغانستان عام 1979، وفقاً للمخطط الأميركي الغربي.
هذا الوليد الذي خرج من رحم التحالف السعودي الباكستاني الأميركي، تحول بمرور الزمن إلى عامل مهم يفرش السجاد المخضب بدماء الأبرياء للقوات الأميركية والغربية للتدخل في شؤون البلدان الأخرى مثل أفغانستان والعراق وسوريا واليمن وليبيا والصومال وأماكن أخرى من العالم، تحت تبريرات ضعيفة الحجة مثل: “إنقلاب السحر على الساحر”، وأن الجماعات التكفيرية “شبت عن الطوق”، وأنها أخذت “تتمرد على أسيادها”، الأمر الذي يقتضي أن تدخل أميركا بقضها وقضيضها في شؤون الدول التي نكبت بالقاعدة وأخواتها للقضاء على هذا المتمرد.
ولما كان في مصلحة أميركا والغرب الإبقاء على المجموعات التكفيرية طوع بنانها، فكان لابد من ضربها ببعض لتحقيق هدفين، الأول جعل جذوة الفتنة مستعرة دون هوادة بين هذه المجموعات وأنصارهما، والثاني هو تقليم أظافر كل مجموعة يمكن أن تفكر في أبعد ما هو مناط بها، وفقاً للمخطط الأميركي العام المرسوم لمنطقة الشرق الأوسط وشعوبها.
ومن أهم السيناريوهات الأميركية في مجال زرع الشقاق وخلق فتنة “سنية سنية” داخل المجموعات المسلحة ذات العقيدة الواحدة هي صناعة “الخلفاء” و”الأمراء”، وهذه الصناعة كفيلة في إيجاد انشقاق طولي يقسم التنظيمات إلى شطرين، كما ظهرت بوادر هذا الانشطار داخل القاعدة أبان الغزو الأميركي في العراق، رغم مبايعة أبو مصعب الزرقاوي أسامة بن لادن عام 2004 وتأسيسه “قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين”، حيث أخذت تتكشف الخلافات بين الزرقاوي وبن لادن ومساعده حينها أيمن الظواهري، من خلال الرسائل النصية والصوتية التي تبادلوها، فقد انتقد زعيما القاعدة، الأساليب التي كان يعتمدها الزرقاوي في العراق.
واستمر سماع صوت التشقق الطولي في بناء القاعدة يأتي من العراق أبان زعامة أبو عمر البغدادي ومن بعده أبو بكر البغدادي، حيث تمرد الأخير وبشكل علني على أوامر زعيم القاعدة أيمن الظواهري الذي دعاه إلى الانسحاب من سوريا، ليترك “بلاد الشام ” لـ”جبهة النصرة” الممثل الوحيد، ولم يكتف بالرفض بل أعلن عن تشكيل “دولة العراق والشام الإسلامية ـ داعش” وبعد ذلك أعلن قيام دولة الخلافة وأصبح خليفة للمسلمين ودعا الظواهري لمبايعته، وسالت أنهار من الدم بين “داعش” و”جبهة النصرة” في سوريا ومازالت تسيل حتى اليوم.
الملفت أن كل الصراع الدموي والقتل والذبح بين الجانبين يستند إلى تبريرات وفتاوى دينية، مستمدة وفق رواية الجانبين من الكتاب والسنة!!، فعندما أعلن زعيم القاعدة أيمن الظواهري إلغاء ما يعرف بـ “الدولة الإسلامية في العراق والشام ـ داعش” ومواصلة عملها تحت مسمى “دولة العراق الإسلامية” خارج سوريا وإبقاء نشاطها في العراق، وأن “جبهة النصرة” بزعامة أبو محمد الجولاني هي فرع القاعدة في سوريا، هاجم المتحدث باسم “داعش” أبومحمد العدناني، الظواهري، موجهاً له انتقادات لاذعة في كلمة نشرتها مواقع تستخدم لبث بيانات “داعش” وحملت عنوان “عذراً أمير القاعدة” قال فيها: … لقد وضعت نفسك وقاعدتك اليوم أمام خيارين لا مناص عنهما إما أن تستمر على خطئك وتكابر عليه وتعاند ويستمرالقتال في العالم وإما أن تعترف بخطئك.. وندعوك ثانياً لتصحيح منهجك.. وعدم التلاعب بالأحكام والألفاظ الشرعية.. وكفاك تلبيساً على المسلمين.
وفي المقابل انتقد أكبر منظري السلفية الجهادية أمثال عاصم البرقاوي المعروف بأبي محمد المقدسي، وعمر محمود المعروف بأبي قتادة الفلسطيني، “داعش” بعد إعلان البغدادي نفسه خليفة للمسلمين وقيام دولة الخلافة، حيث شن هجوماً عنيفاً على أبوبكر البغدادي، واصفاً إياه بأنه “كذاب ضال” وبأن تنظيمه “من كلاب النار”.
أما أبومحمد المقدسي، فقد شن هجوماً على “داعش” لا يقل عنفاً من هجوم أبو قتادة، عندما سئل عن رأيه في دولة البغدادي وخلافته فقال: “الذي يهمني جداً هو ماذا سيرتب القوم على هذا الإعلان والمسمى الذي طوروه من تنظيم إلى دولة عراق ثم إلى دولة عراق وشام ثم إلى خلافة عامة؛ هل ستكون هذه الخلافة ملاذا لكل مستضعف وملجأ لكل مسلم؛ أم سيتخذ هذا المسمى سيفاً مسلطاً على مخالفيهم من المسلمين؛ ولتشطب به جميع الإمارات التي سبقت دولتهم المعلنة، ولتبطل به كل الجماعات التي تجاهد في سبيل الله في شتى الميادين قبلهم.. نقول محذرين للوالغين في دماء المسلمين كائنا من كانوا: لا تظنوا أنكم بأصواتكم العالية ستسكتون صوت الحق؛ أو أنكم بتهديدكم وزعيقكم وقلة أدبكم وعدوانكم ستخرسون شهاداتنا بالحق لا وألف لا..!”
الجهات التي وجهت ودفعت “داعش” و”الخليفة البغدادي” إلى التمرد على القاعدة وزعيمها أيمن الظواهري، يبدو أنها بدأت بتوجيه عناصر من داخل “داعش” للتمرد على “الخليفة “، هذه المرة، فقد أعلنت “داعش” في شريط مصور اعتقال خلية مؤلفة من أربعة من عناصرها يتحدثون اللغة التركية خططوا للانقلاب عليها وزعزعة الأمن في مناطق سيطرتها، وذكرت أنهم يتبنون أفكاراً دينية أكثر تشدداً من تلك التي يعتمدها “داعش”.
وعرض التسجيل الذي جاء تحت عنوان “القبض على خلية من الغلاة خططت للخروج على دولة الخلافة”، مقطعاً صوتياً لأشخاص يتحدثون باللغة التركية أعلنوا فيه نيتهم حمل السلاح ضد “داعش”.
وقال هؤلاء في التسجيل الصوتي وفي ما قدم لاحقاً على أنها اعترافات من قبلهم إنهم “قرروا مقاتلة تنظيم “الدولة الإسلامية” كونه تنظيم كافر بنظرهم على اعتبار أنه لا يكفر الشعبين السوري والعراقي، وأن زعيمه أبو بكر البغدادي يأخذ الأموال من (شعب كافر)، وبالتالي فهو كافر أيضاً”.
فتاوى التكفير الصادرة عن “الخلفاء” و”الأمراء” و”الدعاة” و”الفقهاء” ما أسرع ما تجد طريقها إلى التطبيق عمليا، حيث سقط الآلاف من القتلى بين المجموعات المسلحة خلال السنوات الأربع الماضية بتهمة الكفر والارتداد، وهو مشهد لا ينحسر في سوريا فقط، فهذه ليبيا التي تشهد حرباً لا تقل ضراوة عن الحرب الدائرة بين “داعش” و “النصرة” وحلفائهما في سوريا، فهناك قتال دام في شرق ليبيا، وهناك سلطتان تنفيذيتان وسلطتان تشريعيتان، وهناك عشرات التنظيمات المسلحة التي يكفر ويخون بعضها بعضا، بينما الخاسر الوحيد هو المواطن الليبي البسيط، الذي يرى بام عينيه أن بلاده ماضية نحو التقسيم.
رفاق العقيدة والسلاح لهذه المجموعات في باكستان وأفغانستان، واجهوا ذات المصير، التكفير والقتل، فقد دبت الفتنة داخل أكثر التنظيمات دموية في باكستان، ألا وهو تنظيم “جيش جهنكوي”، الذي انشق بدوره من التنظيم الوهابي التكفيري المتطرف “جيش الصحابة “، وذلك بعد أن بدأت الحكومة الباكستانية عملياتها ضد عناصر “جيش جهنكوي” في عام 1998، وهروب معظم عناصره إلى أفغانستان، حيث كانوا يديرون معسكرات تدريب، وهناك حدث انقسام في صفوف “جيش جهنكوي” عندما وقع خلاف بين مجموعة يتزعمها قاري عبد الحي، ومجموعة يتزعمها رياض بصرة بشأن تنفيذ موجة من الاغتيال تستهدف الشيعة في باكستان، ووقعت اشتباكات دامية في أيلول/سبتمبر 2000 بين المجموعتين في كابول، أدت إلى حمام من الدماء، وتمكنت جماعة رياض بصرة من القضاء على جماعة عبد الحي بالكامل.
من خلال ما تقدم، هل بالإمكان أن نبرر الخلاف بين الظواهري والبغدادي أو بين البغدادي والجولاني أو بين التنظيمات المتطرفة التي تتقاتل في ليبيا، أو بين متطرفي التنظيمات التكفيرية في باكستان وأفغانستان، بأنها تعود لخلافات فكرية أو عقيدية أو شيء من هذا القبيل؟ من المؤكد أن الجواب على هذا السؤال هو النفي، فجميع هذه التنظيمات هي تنظيمات وهابية سلفية جهادية، تناصب العداء لشيعة أهل البيت عليهم السلام، وتكفر كل المسلمين الذين لا يشاطرونها مذهبها، وليس للقضية الفلسطينية أية اهتمام في أدبياتها، ولا ترى في الصهيونية عدواً، ولديها نظرة ضيقة متزمتة للدين والحياة والإنسان، تستخدم أفظع الوسائل لتحقيق غاياتها، ولا تتوانى عن تسجيل كل جرائمها البشعة بالصوت والصورة، لذلك فإن الحديث عن وجود خلاف أيديولوجي بينها أمر لا يستسيغه عقل، لذلك لم يبق سوى وجود إرادة خارجية تتلاعب في القيادات العليا لهذه التنظيمات وتوجهها وفقاً لمخطط قد تم الإعداد له بدقة بهدف تشويه صورة الإسلام والمسلمين أمام شعوب العالم أجمع، وإشغال المسلمين بقضايا جانبية تافهة، لإنقاذ الكيان الصهيوني الذي زرعه الغرب في قلب العالم الإسلامي.
المتتبع لسردنا هذا يرى بوضوح أنه ليس هناك أي ذكر أو أثر للمسلمين الشيعة في الصراع الدائر بين هذه التنظيمات التكفيرية المسلحة، وهو ما يؤكد أن ما تروج له هذه التنظيمات من أنها جاءت للدفاع عن السنة أمام “الروافض” و”المجوس” و.. إلى اخر القائمة السخيفة من الاتهامات، هي كذبة كبيرة لا تنطلي إلا على السذج والبسطاء، فالفتنة التي يشهدها العالم الإسلامي اليوم هي فتنة تقف وراءها أجهزة استخبارات دول غربية وعربية رجعية بالإضافة إلى الصهيونية العالمية، تنفذها شخصيات صنعتها هذه الأجهزة كـ”الخليفة” و”أمير المؤمنين” و”الأمير” و”الداعية” و.. وحطبها المسلمون البسطاء.

* منيب السائح/ alwaght

 

المصدر

عن admin