الرئيسية / بحوث ومقالات / شؤون معاصرة / مشروع الاحتلال ومشروع الدولة الوطنية الديمقراطية: العراق… من المعالجة الأمنية إلى المعالجة السياسية

مشروع الاحتلال ومشروع الدولة الوطنية الديمقراطية: العراق… من المعالجة الأمنية إلى المعالجة السياسية

 

  • هشام القروي

    إن الفرضية الأساسية التي يقوم عليها هذا البحث هي أن التقييم الأميركي للوضع في العراق محدود بطبيعته من حيث تركيزه الأساسي على قضايا الأمن، كجزء من استراتيجية عالمية للإمبراطورية، بدل اعتبار هذه المسألة جزءا من كل سياسي خاص بالمسرح المحلي. وقد استمر هذا التقييم سائداً باستمرار الاحتلال.

    ومع انسحاب القوات الأميركية، يبدو لنا من المهم أن تتبنى النخبة السياسية العراقية رؤية مستقلة تؤكد الطبيعة السياسية والقانونية للمشاكل المطروحة، وتعيد النظر فيها من هذه الزاوية، مع اعتبار القضية الأمنية جانباً فقط من قضايا السياسة التي تتطلب معالجة إجمالية.

    سنبدأ بتقييم سنوات الاحتلال الأميركي للعراق، مع التركيز على تبعاته واستخلاص نتائجه، واستشراف آفاق التطور السياسي في هذا البلد بعد تخلصه من الدكتاتورية والاحتلال الأجنبي.

    وخلافاً لدراسات أخرى عالجت الموضوع العراقي من زاوية امتداداته وانعكاساته الإقليمية، حاولنا هنا قدر الإمكان عدم التطرق إلى مسائل التأثير الإيراني والسعودي، والتنافس السني-الشيعي الإقليمي، مكتفين بتحليل كيفية طرح “تغيير النظام”، و”بناء الدولة” وإقامة الديمقراطية في التقديرات الأميركية الخاصة بالحالة العراقية، مع مقارنتها بالتصورات العربية لهذه المفاهيم. وربطنا ذلك كله بمعطيات الاحتلال الكمية والنوعية، والإطار السياسي والقانوني لاتفاقية سحب القوات، والمخاطر الناشئة عن فراغ القوة والتوصيف الخاطئ للأوضاع العراقية.

    يسيطر الهاجس الأمني على أغلبية التقييمات الأميركية للوضع العراقي. وتكفي مراجعة سريعة لبعض ما تصدره مراكز البحوث ودور النشر الأميركية حول العراق، لإقناعنا بأن هذه هي أهم المسائل إطلاقاً في التقييم الأميركي، بحيث تخصص لها الدراسات والتمويل، وتخضع لها حتى برامج التعليم[1].

    وليس الأمر غريباً! فحين تكون القوات العسكرية لدولة ما منخرطة في القتال في بلد أجنبي، من الواضح أن المسألة الأمنية ستحتل مركز الصدارة في الأجندة، حتى وإن كانت الأهداف العامة تتجاوز مجرد الحفاظ على الأمن والاستقرار إلى تغييرات أعمق تمس البنية السياسية والاقتصادية والقانونية للبلد المعني، كما هي الحال في العراق.

    والواقع أن سحب القوات العسكرية ﻻ ينفي استمرار انخراط الولايات المتحدة في “الهندسة الاجتماعية” لمرحلة ما بعد صدام والإشراف على النشاط السياسي والاقتصادي لهذا البلد من خلال مكتب المفتش العام لإعادة إعمار العراق (SIGIR) الذي حلّ محلّ مكتب المفتش العام لسلطة التحالف المؤقتة (CPA-IG)، عقب حل السلطة في 28 حزيران/ يونيو 2004، وصدور القانون رقم 108-106 عن الكونجرس الأميركي في تشرين الأول/ أكتوبر 2004 بإنشاء هذا المكتب[2] الذي يقع تحت السلطة المزدوجة لوزارتي الخارجية والدفاع الأميركيتين، ويرفع تقاريره عن الأوضاع في العراق إليهما إضافة إلى وزير العدل الأميركي والكونجرس. ولا يمكن بالتالي النظر إلى السيادة العراقية، في هذه الظروف، خارج هذا الإطار العام من التبعية للولايات المتحدة، إلا إذا كان الانسحاب الأميركي من العراق يعني كذلك إيقاف عمل مكتب المفتش العام لإعادة الإعمار. وهذا ما لم يشر إليه صراحة ستيوارت دبليو بوين جونيور (Stuart W. Bowen Jr). المفتش العام، في تقريره ربع السنوي الثامن والعشرين إلى الكونجرس ووزيري الخارجية والدفاع الأميركيين.


     

    [1] لتقديم أمثلة وليس على سبيل الحصر، انظر البرامج التربوية أسفله، وستلاحظ أن تدريس مادة ”العراق‘‘ فيه تركيز أساسي على القضايا العسكرية والأمنية. أما التنمية السياسية والاقتصادية، فلا يبدو أنها ما يهم الأميركيين في المقام الأول. ويلاحظ أيضا أن الموضوع الأمني وقع التركيز عليه خاصة في علاقته بدراسات الشرق الأوسط في الجامعات الأميركية منذ 11أيلول/ سبتمبر 2011، ضمن النقاش الواسع المحتدم آنذاك. وقد وجهت التهم فيه لأساتذة هذه الدراسات واتهمهم ”المعسكر المحافظ‘‘ وأصدقاء بوش بالإهمال رغم التمويل الذي يتلقونه من الحكومة الفدرالية وعدم التنبيه إلى المخاطر التي يمثلها الإرهاب الإسلامي وتقديم الصراع العربي- الإسرائيلي لطلابهم و قرائهم من وجهة نظر ”تشويهية‘‘ تندد بإسرائيل وحدها وتحملها مسؤولية العنف. ولنا عودة إلى هذا الموضوع ودور الجامعات ومراكز البحث ومواردها التمويلية في القرار السياسي، في دراسة مخصصة لهذا الغرض. أما فيما يخص العراق في التعليم، فانظر مثلا: Teaching with the News, The Lessons of Iraq : http://www.choices.edu/resources/twtn_iraq_lessons.php
    Academic Module: War of Necessity, War of Choice: http://www.cfr.org/iraq/academic-module-war-necessity-war-choice/p20633
    Teaching the Iraq War: http://www.pbs.org/newshour/extra/teachers/iraq/index.html

    [2] انظر مهمة مكتب المفتش العام على الرابط: http:/ /www.sigir.mil/about/index.html

    للاطلاع على الورقة كاملة، انقر هنا، أو انقر على الصورة في الأسفل

    المصدر

    • هشام القروي

    حاصل على شهادة الدكتوراه في علم الاجتماع من جامعة السوربون. تخصّص الدكتور القروي في علم اجتماع النخب والعلاقات الدولية. وشملت أبحاثه دراسة شبكات السياسيين ورجال الأعمال والعسكريين على المستويين المحلي والدولي. تتركز اهتماماته البحثية خصوصًا على: علاقات الولايات المتحدة بمجتمعات المنطقة العربية- الإسلامية (الشرق الأوسط/شمال أفريقيا)؛ وإعادة إنتاج النخب وارتباطاتها؛ ودراسة الشبكات المحلية والدولية للساسة ورجال الأعمال والعسكريين؛ والأيديولوجيات والإطارات المرجعية والمفاهيم والقيم المقارنة؛ وتفاعل الأقليات العربية والإسلامية في الغرب مع محيطها وأصولها.
    وقد كان مؤسس مجلة “دراسات الشرق الأوسط” الفكرية المحكمة (الناطقة بثلاث لغات)، ورئيس تحريرها. وهو يتابع السياسة العربية والدولية بالتحليل والتعليق منذ ربع قرن تقريبًا في الصحف والمجلات. نشر مئات المقالات والعديد من الأبحاث بالعربية والفرنسية والإنجليزية في الدوريات المتخصصة في أوروبا والولايات المتحدة والعالم العربي. صدرت له منذ الثمانينيات عدّة مؤلفات عن العلاقات الدولية، والأوضاع السياسية والاجتماعية في الشرق الأوسط. من مؤلّفاته المنشورة: التّوازن الدولي من الحرب الباردة إلى الانفراج (تونس 1985)؛ النسر والحدود: مقدمات في نقد الواقع السياسي العربي (تونس1989 )؛ ما بعد صدام في العراق (باريس 2005)؛ المملكة السعودية إلى أين؟ (باريس 2006)؛ المسلمون: أكابوس أم قوّة في أوروبا؟ (باريس 2011).

 

عن admin