الرئيسية / بحوث ومقالات / احداث تاريخية / تأملات في حادثة الكساسبة ومجزرة سبايكر

تأملات في حادثة الكساسبة ومجزرة سبايكر

تأملات في حادثة الكساسبة ومجزرة سبايكر
جميل ان نرى الاردن حكومة وشعبا ومجتمعا مدنيا وشخصيات سياسية ودينية وعلمانية ، ان يهبوا هبة رجل واحد لنصرة ابنهم الطيار معاذ الكساسبه الذي وقع اسيرا بيد “داعش” لدى سقوط طائرته في مدينة الرقة السورية ، متمنين له السلامة ، داعين كل من له قدرة مهما كانت بسيطة ، لاستغلالها من اجل انقاذ حياته ، فارتفع صوت الملكة رانيا والامير حسن عاليا ، كما ارتفع صوت المجموعات الجهادية التكفيرية التي تشاطر “داعش” افكارها ، ولم يكن هناك استثناء في هذه الهبة.

حكوميا كشف رئيس الوزراء الاردني عبد الله النسور عن وجود مفاوضات دوليه يقودها الاردن لانقاذ حياة الطيار معاذ الكساسبة ، بينما نشرت  الملكة رانيا العبدالله على حسابها في “انستغرام” صورة تضامن مع الكساسبة ، في إطار الحملة التضامنية التي أطلقها نشطاء أردنيون للوقوف مع الطيار ، كما استحدثت مجموعة من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، وتحديدًا تويتر، هاشتاغ “كلنا معاذ”.

اما الأمير الأردني حسن بن طلال فتوقع أن يعود الكساسبه  إلى اهله وبلده في غضون خمسة أيام ملوحا بأن الهدف من أسره ليس قتله بل التأثير في الوضع الداخلي للأردن وهز كيان الدولة الأردنية .

ولم يكشف الأمير حسن عن خلفية معلوماته التي نشرت على صفحة تتبعه لكنه أشار إلى ان الأجهزة الأمنية الأردنية قادرة على إستعادة الأسير معاذ كساسبة بدون خسائر.

موجة التعاطف هذه لم تنحصر بالحكومة بل انتقلت الى الجهة الاخرى المقابلة لها ، جهة التيار الجهادي السلفي المعروف بتعاطفه وحتى تاييده ل”داعش” والمجموعات التكفيرية الاخرى في سوريا والعراق ، فقد اصدر محمد الشلبي، الملقب بأبي سياف، وهو قيادي في التيار السلفي الجهادي في الأردن ، بيانا قال فيه بأن الأمر “عائد لقادة الدولة الإسلامية التي ترامى الى مسامعنا أنها ستقوم باستبداله بالأسيرة ساجدة الريشاوي التي أرسلها أبو مصعب مؤسس الدولة الإسلامية رحمه الله!!، للقيام بمهمة وتم إلقاء القبض عليها، وبالأسير زياد الكربولي أحد أفراد تنظيم الدولة، ونحن نرى أن مصلحة الإفراج عنهما أفضل بكثير من مصلحة قتل الأسير.”

نقلنا كلام ابو سياف بالنص ، ونعتذر للعراقيين والمسلمين من ترحمه على السفاح الزرقاوي ، ولكننا تقصدنا نقل كلامه بالكامل ، حتى نؤكد حالة التعاطف الاردنية مع الاسير الكساسبه ، رغم الهوة التي تفصل بين المتعاطفين ، من النواحي السياسية والفكرية والعقيدية والدينية .

اما المسيحيون الاردنيون فكان لهم ايضا دور مشرف ، وذلك عندما دعا الاب عادل مدانات ابناء الطائفة المسيحية في محافظة الكرك الى وقف مظاهر العيد في المحافظة واقتصارها على صلوات تدعو لفك اسر الكساسبة و رجوعه الى ارض الوطن.

واكد الناشط وضاح العمارين بأنه “يجب على كل كنائس الاردن وكهنتها وقف كل مظاهر الاحتفال بالعيد والاكتفاء فقط بصلوات الميلاد على نية عودة أبننا الأسير البطل نسر الجيش العربي الاردني معاذ الكساسبة”.

واكد الناشط الاجتماعي خازر الكواليت بأن عند الوطن تذوب جميع اسباب التفرقه و تنتهي جميع الحدود لكي نكون صفا واحدا لحماية الوطن و ترابه فلا فرق بين دين او عرق او اصل حين يكون الخطر يكاد ان يمس ارض الوطن فالوطن اغلى منا جميعا.

فيما اصدر النائب العام قرارا يحظر نشر أية صور او اخبار يبثها تنظيم داعش التكفيري تسيء للطيار معاذ الكساسبة,كما حظر نشر اي تحليلات عسكرية تخص القوات المسلحة الأردنية بهذا الشأن, وتحت طائلة المسؤولية.

فيما دعت القوات المسلحة الاردنية ، مختلف وسائل الاعلام، الى عدم نشر اي معلومات تمس الامن الوطني وان تقف في خندق الوطن وان تتعامل بكل مسؤولية مع حادث سقوط الطائرة العسكرية الاردنية وان تراعي مشاعر ذوي الطيار.

هذه الحالة من التعاطف الاردني العارم مع قضية الطيار الكساسبه ، والتي تجاوزت حدود الحزبية والقبلية والطائفية والدينية ، تعتبر حالة راقية  جدا تحسب للاردنيين ، رغم ان الطيار كساسبه اسقطت  طائرته خارج الاردن ، واثناء تنفيذه مهمة عسكرية ضد اهداف تابعة لتنظيم “داعش” في الرقة السورية ، في اطار تحالف دولي تقوده الولايات المتحدة ضد هذا التنظيم ، وهذه قضايا يختلف حولها الاردنيون ، ولكنهم ومن اجل ابنهم معاذ الكساسبه ، ترفعوا عن كل الخلافات ، واحرقوا كل الحدود التي كانت تفصل بينهم ، فتحدثوا بصوت واحد وبجملة واحدة .. “كلنا معاذ”.

حادثة اسر الكساسبة وظاهرة التعاطف الاردني معه ، تتكثف اكثر مما هي عليه ، اذا ما قيست بمجزرة سبايكر في العراق وموقف الفصائل والاحزاب والشخصيات السياسية والدينية والعشائرية  العراقية وفي مقدمتهم المنخرطين في العملية السياسية من هذه المجزرة ، حيث اظهرت هذه المجزرة مدى الانحدار الخطير الذي وصلت اليه الحالة الوطنية في العراق ، وكذلك الحالة المشمئزة التي وصل اليها بعض المحسوبين على العملية السياسية وعلى الشعب العراقي وعلى العراق.

لا يمكن باي حال من الاحوال قياس حادثة الكساسبه بمجزرة سبايكر المروعة ،  التي ارتكبتها “داعش” في 12 من حزيران / يونيو الماضي ، في قاعدة سبايكر الجوية بمحافظة صلاح الدين، حيث قتل اكثر من 1700 طالب في القاعدة على خلفية طائفية وفي ساعات.

وجاء في حساب باسم “ولاية صلاح الدين” على موقع “تويتر” أنه تمت تصفية 1700 عنصر شيعي في الجيش من أصل 2500، أما الباقي فقد تم العفو عنهم بناءً على أوامر زعيم التنظيم أبي بكر البغدادي بالعفو عن مرتدي أهل السنة ، في مسعى من التنظيم الى اثارة الفتنة الطائفية في البلاد ، لاسيما ان من نفذ المجزرة هم عراقيون بعثيون.

رغم بشاعة مجزرة سبايكر ، الا انها لم تخلق اي حالة من التضامن الشعبي العام مع الضحايا في العراق ، ولم يسجل اجماعا ملموسا يمكن ان يحسب كموقف مندد بوحشية “داعش” والبعثيين ، ولم تقرب بين وجهات نظر السياسيين ازاء التحديات والمخاطر التي تهدد وحدة العراق ،  بل على العكس تماما ، كان هناك من يدعي الوطنية والعراقية والعروبة بين السياسيين العراقيين ، من برر فظائع “داعش” و البعثيين ، وحمل الحكومة العراقية ، التي يشاركون فيها ، مسؤولية ما حدث ، وكأنك امام مشهد تلاشت فيه معاني الوطنية ، وتبخر رابط الدين والدم والتراب والتاريخ المشترك ، فلا تجد سوى رائحة الخيانة النتنة التي تزكم الانوف.

امام هذا الموقف الذي لا يمكن وصفه الا بالعار ، لم تجد أم عراقيه ثكلى ، فقدت ابنها في قاعده سبايكر، الا ان تنزع حجابها وترميه بوجه رئيس مجلس النواب وهي تصرخ : “1700 فقدوا ولم يستنكر ولا نائب واحد منكم او يكلف نفسه بالسؤال عنهم .. البرلمان نحن اتينا به، والحكومه نحن اتينا بها، نريد منكم ان تجدوا حلا لاولادنا، وان تعطوننا الميت ندفنه، والحي منهم نريده، وهذه فوطتي ارميها هنا”.

ترى لماذا لم يتخذ العراقيون موقفا موحدا وحازما من مجزرة سبايكر ومن منفذيها ومن ضحاياها ؟، لماذا لم تقرب مجزرة بشعة مثل هذه المجزرة  العراقيين من بعضهم البعض ؟، الا يؤكد هذا الموقف ان مرضا ما اصاب الجسد العراقي ؟، الا يشكل موقف العراقيين من مجزرة سبايكر جرس انذار لكل العراقيين الحريصين على وحدة العراق ارضا وشعبا ؟، لماذا وحد اسير اردني كان في مهمة لقتال “داعش” في سوريا ، الاردنيين بمختلف انتماءاتهم ومشاربهم ، بينما لم تفلح ارواح اكثر من 1700 طالب ازهقت ظلما ، في التقريب بين العراقيين ؟، هل الاردنيون اكثر وطنية واكثر تمسكا ببلدهم و وحدة ارضهم من العراقيين؟،  ، هل دماء العراقيين اضحت رخيصة الى هذا الحد ، ام ان شياطين الطائفية والبعثية اوقعت بينهم؟.

اتمنى وانا في تأملي للموقفين المتناقضين الاردني والعراقي ، من حادثة الكساسبة ومجزرة سبايكر ، ان يتأمل مثلي المنخرطون في العملية السياسية في العراق ، والذين حملهم الشعب العراقي مسؤولية الحفاظ على العراق ، موقفهم من مجزرة سبايكر ، ويقارنوا هذا الموقف بموقف الاردنيين من الكساسبه ، وان يعيدوا على ضوء هذه المقارنة حساباتهم قبل فوات الاوان ، فبدون العراق لن يبقى لهم من مكانة او ذكر.

اخيرا ادعو الله سبحانه وتعالى ان يعيد الطيار الاردني معاذ الكساسبه ، الى وطنه والى احضان اهله وذويه سالما معافا والا يمسه التكفيريون بسوء ، كما ادعو ان تعاد جثث شهداء سبايكر المظلومين الى ذويهم ، ليدفنوا كالابطال ، وهم كذلك ، واتمنى ان تتحول مناسبة اعادة جثث شهداء سبايكر الى ذويهم ، الى مناسبة وطنية ، عسى ان تساهم في تصحيح مسار البعض ، من الذين خطفتهم الطائفية من احضان الدين والوطن ، ليعودوا مرة اخرى الى احضان هذا الدين وهذا الوطن .. وما ذلك على الله بعزيز.

* ماجد حاتمي/ شفقنا

عن admin